أخبار عاجلة

الخطيب الى “رافعي عقيرتهم جبنا والزاعقين إتهاما للمقاومة”: هل حصلتم على الحق في لبنان الا بالمقاومة بعدما ضيعتموه حينا من الزمن

وطنية: ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: 
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد الخلق أجمعين والرحمة المهداة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين، أمان الأمة من الضلال وسفينة نجاتها، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى، وعلى من استن بسنتهم واهتدى بهداهم الى قيام يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى في كتابه العزيز: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون {الروم/21}.
جاء في كتاب الميزان في تفسير القرآن للسيد محمد حسين الطباطبائي (قده) لهذه الآية المباركة قوله (وجعلنا لكم من أنفسكم ازواجا) أي لأجلكم أزواجا او لينفعكم من جنسكم قرائن، وذلك أن كل واحد من الرجل والمرأة مجهز بجهاز التناسل تجهيزا يتم فعله بمقارنة الآخر ويتم بمجموعهما أمر التوالد والتناسل، فكل واحد منهما ناقص في نفسه مفتقر الى الآخر ويحصل من المجموع واحد تام له أن يلد وينسل، ولهذا النقص والافتقار يتحرك الواحد منهما الى الآخر حتى اذا اتصل به سكن اليه، لأن كل ناقص مشتاق الى كماله، وكل مفتقر مائل الى ما يزيل فقره، وهذا هو الشبق المودع في كل من هذين القرينين.
وفي تفسير قوله تعالى: ( وجعل بينكم مودة ورحمة) يقول (قده): المودة كأنها الحب الظاهر أثره في مقام العمل، فنسبة المودة الى الحب كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل الى الخشوع الذي هو نوع تأثر نفساني عن العظمة والكبرياء. والرحمة نوع تأثر نفساني عن مشاهدة المحروم عن الكمال وحاجته الى رفع نقيصته يدعو الراحم الى انجائه من الحرمان ورفع نقصه. انتهى كلامه رفع الله مقامه.
وبالخلاصة، فإن الحكمة الإلهية اقتضت الخلق وأن يكون استمراره عن طريق قاعدة الزوجية (وخلقناكم ازواجا)، وافتقار كل واحد الى الآخر الذي يكمل نقصه، وليس هذا مقتصر على الانسان وإنما هي قاعدة عامة في الوجود العام، ففي الحياة النباتية (…ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين…) {الرعد/3}، من باب ان الثمرات لا تحصل الا بالتلاقح الطبيعي، وأن التكامل الذي هو تعبير عن الحصول على النتيجة المطلوبة في الحياة النباتية تقوم على قاعدة الزوجية بين الذكر والانثى، وأما في الحياة المادية (ومن كل شيء خلقنا زوجين) (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون {يس/36} ، فإن كلمة شيء تشمل غير الاحياء أيضا والوحدانية هي لله تعالى وحده، فهو الغني الكامل الذي لا يفتقر الى القرين، وأما الزوجية فهي من صفات كل المخلوقات، فصلاحها وهو الاستفادة منها، وتأدية وظيفة الخلق منها لا تتم إلا بالتكامل مع غيرها.
فالنزوع الى الاستغناء عن الآخر المكمل إفساد لوظيفته التي وجد من أجلها وإنهاء لوجوده وهو شذوذ عن قاعدة الخلق الإلهية وإبطال لحكمة الله تعالى وكفران لأنعمه التي تستوجب بدلا عن ذلك الشكر له والتزام سننه (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون {الروم/30}، فميل الذكر الى الانثى اقتضتها الحكمة الإلهية في استمرار الحياة بالتزاوج والتوحد في الوجود لطرفي الذكر والانثى، وليس لقضاء حاجة غريزية، بل الغريزة وهي تعبير آخر عن هذا الميل من الطرفين كل منهما نحو الآخر، سعي الى الكمال وأداء لوظيفة الخلق لكل منهما، فهما نقطة الارتكاز للمجتمع البشري، وحسب النص الديني كان آدم وحواء منطلق الوجود البشري على الأرض بتأسيس بذرته الأولى، وانتشار البشر على الأرض وتوسع الحياة البشرية كان عن طريق التزاوج وبناء الاسرة، اقتضى التنظيم والتشريع لها بأحكام وقوانين تكمل القانون الطبيعي للوجود بالتزاوج والا لاختلطت الانساب ولاختل النظام وبطلت الحكمة من الخلق بانتهاء الحياة الى الفوضى ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون {البقرة/229} والحدود وهي مجموعة النظم والاحكام والقيم التي تحدد الحقوق والواجبات والمحرمات وتنظم العلاقات وتجعل العقوبات منعا من تخطيها والاعتداء عليها. فكل من يتعدى حدود الحقوق والواجبات ويتخلف عن أدائها يستحق العقوبة الدنيوية والاخروية التي حددت في التشريعات الإلهية التي تشكل مجموعة القيم الأخلاقية الوعاء لها. فصون العرض والحقوق والعدل وحقوق الاسرة ابتداء من عموديها الرجل والمرأة، والأبناء والأرحام والجيران والتسامح والإحسان والانحراف والفواحش ما ظهر منها وما بطن بممارستها علانية وهو أفحش أو سرا ، وان كان ابرز مصاديقها وموارد نزولها وهو طواف الرجال عراة في النهار وما بطن هو طواف النساء عراة في الليل.
فالتعري وهو اظهار العورة فحش سواء مورس ظاهرا او باطنا، والفحش يتعدى الفعل الى القول، ويبعث على ممارسة ما هو أفحش منه هو ممارسة العلاقات الجنسية غير المشروعة والتي تسيء الى حرمة الإنسان وكرامته (ولقد كرمنا بني آدم) ليس فقط بتميزه بالخلق وما استبطنته من استعدادات، بل بالنظم والتشريعات والقيم عن الاسفاف بنفسه الى الحياة الغرائزية الحيوانية والارتقاء به الى حياة أسمى بحمايته بمجموعة من القيم التي تشده نحو الأعلى والتخلق بأخلاق الله تعالى، فالغريزة خلق تكويني والقيم هي الهدف فهو يحيي للقيم لا لإشباع غرائزه التي تودي بالإنسان وتجعله محدود الأهداف ومجرد حيوان متطور تستخدم مجموعة الغرائز قدرته ومنها التفكير والعقل للاستحواذ  على أكبر قدر من الملذات التي تفسد عليه أداء وظيفته في الوصول الى الهدف الذي خلق من اجله وهو العبادة لله تعالى (وما خلقت الانس والجن الا ليعبدون).
 

ورأس العبادة المعرفة والاقرار لله تعالى بالعظمة والوحدانية والتسليم بتنفيذ أوامره ونواهيه، وكلما تعرف على أسرار الخلق أكثر كلما كانت معرفته بالله أعمق وتسليمه لإرادته أكبر والتزامه حدوده أشد (الذي يتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) ورأس الحكمة مخافة الله، فالحكمة هي العمل بما ينبغي، وما ينبغي من الاطلاع على أسرار الخلق ودقته وعظمته هي التسليم لله لا مخالفته في استخدام هذه المعرفة بالتنكر له وإطاعة الهوى وان يكون الصراع الأساسي داخلي أي في نفس الانسان بين عقله وغرائزه وان تخضع غرائزه لعقله ولا يكون الصراع بين المجتمع البشري (انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )، وهو الفارق بين العلم والتزكية التي تعني تهذيب النفس والتخلص من سيطرة الغرائز وإخضاعها لمقتضيات العلم والمعرفة، وهي الوظيفة التي أعطيت للأنبياء (ع) وأوصيائهم والعلماء الذين اقتفوا آثارهم وساروا على هديهم، قال تعالى في سورة الجمعة (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم  هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) ، فوظيفة الرسول (ص) هي تلاوة وحي الله تعالى على المؤمنين وإنبائهم بما أوحى الله تعالى اليه، وأنه رسول الله اليهم حتى يرضخوا ويستسلموا للمهمة التالية وهي مهمة تزكيتهم فما لم يعترفوا بنبوته لن يستجيبوا أو يخضعوا لما يريده مهم وهو تهذيبهم وتربيتهم على التخلق بالأخلاق الكريمة والتزام القيم الإلهية في حياتهم، فإذا ما استجابوا تأهلوا للاستجابة الى التعليم ( ويعلمهم الكتاب والحكمة) فإن تعلم الكتاب والاطلاع على أسراره والوصول الى الحكمة وهي العمل بما ينبغي العمل به من احكام الكتاب متوقف أولا على تزكية النفس، فالعلم بلا تزكية للنفس يتحول الى أداة للغرائز والشيطنة ولن توصل صاحبها الى الحكمة (ومن أوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا).
أيها الاخوة، استهللنا الحديث بالآية المباركة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون)، وخلصنا الى القاعدة العامة في الخلق هي الزوجية وهي التكامل بين ناقصين بميل كل منهما الى الآخر الذي يكمله ويجعله صالحا لأداء وظيفة الخلق وهي التكاثر واستمرار الحياة التي تشكل الاسرة نواتها ويشكل الذكر والانثى عمودها الفقري، الأمر الذي يحملها مسؤولية إعدادها إعدادا صالحا لتؤدي وظيفتها الالهية ولتكون نواة المجتمع الصالح كما أراده الله تعالى في التزكية والتعليم والتربية، فالزواج يستدعي أن يكون الطرفان مؤهلين للقيام بهذه المهمة والحضن الأول للتأهيل هو الاسرة أعني الوالدين والبيئة والمدرسة والصحبة، فالوالدان الصالحان يثمران أسرة صالحة وأبناء صالحين بما يقومان به من التربية والتعليم والتوجيه، فمهمتهما هي النيابة عن الأنبياء بما يلقناهم من آداب ومعارف أولية تصقل شخصيتهم وتزرع فيهم بذور الخير والصلاح وتراقب سلوكهم والتزامهم ومن يصاحبون، فلا يجوز بحال أن يتركوا لشأنهم وأن يعتمد على الآخرين ممن ليس لهم الثقافة الملتزمة والأخلاق العالية وممن لم يعهد منهم الكفاءة في أمر تربيتهم، وهذا يحتاج الى اطلاع الاهل والوالدين على شيء من الثقافة الدينية في شأن التربية وكيفية التعاطي مع أبنائهم، وتعريفهم بالنماذج الفذة من سلوكيات قادة الإسلام ووصاياهم في كيفية التعاطي مع الأبناء واحتضانهم وإظهار المحبة لهم وفي هذا المجال تعريفهم بالرسول وائمة اهل البيت وتعريفهم بشخصياتهم ليتعلقوا بهم ويتخذوا منهم القدوة في الحياة، وبمناسبات ولادتهم ووفياتهم وتضحياتهم والقضايا الي عاشوا لأجلها ودافعوا عنها كقضايا العدل ومحاربة الظلم وكيفية التعاطي مع الاخرين والخلق الكريم وعدم رد الاساءة بمثلها  وثقافة القران الكريم، ثقافة الحياة، وبالمناسبة فإننا نذكر أهلنا بواحد من ائمتنا العظام وهو الامام محمد الباقر عليه السلام ونعزي أنفسنا والمؤمنين بوفاته وهو الامام الذي عرف كآبائه الاطهار بالخلق الكريم والصبر على أذى الظالمين وبالعلم والمعرفة حتى لقب بالباقر يعني بقر العلم بقرا.
 
وأنا أدعو بهذه المناسبة العاملين بالشأن التربوي والمهتمين به من مؤسسات ومثقفين وخصوصا الذين يتعاطون التعليم الديني في المدارس الى اصدار مؤلفات صغيرة الحجم سهلة التناول تتناول شيئا من هذه المسائل على البيوت والمدارس خصوصا منها الابتدائية والمتوسطة، فإن حفظ أجيالنا من الفساد الأخلاقي ليس بأقل أهمية من انتشالهم من الجهل والاهتمام بتعليمهم إن لم يكن أهم، لقد فقدنا للأسف في المرحلة الماضية التوازن بين هذين الأمرين واهتممنا بالجانب التعليمي وأهملنا الجانب التربوي وهو ما أنتج جيلا بعيدا عن الثقافة والتربية الدينية الإسلامية عرضة للإفساد وخاليا من المناعة الذاتية لمواجهة الثقافة البديلة.
 
وتابع الخطيب:”أضيف الى ذلك الضغوط التي تتعرض لها البيئة الوطنية والإسلامية اقتصاديا واجتماعيا مما قد يدعو الى القول بأن هذا ليس أولوية لنا وليس وقته ولا أوانه، ولكن الحقيقة أن كلاهما أولوية لأن المقصود في النهاية من هذه الحرب هو تحويل ولاء هذه البيئة الى ثقافة معادية، فلا أقل من القيام بالقدر الممكن في هذ المجال الى جانب الاهتمام بشأن الحاجة الاجتماعية لرغيف الخبز والدواء (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون {فصلت/30}) ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون {الأعراف/96})، فنزول الخيرات والبركات مرتبط بتقوى الله، والعذاب والاخذ الإلهي مرتبط بالتكذيب لوعد الله تعالى. فخافوا من تكذيبكم لوعد الله تعالى وتخليكم عن القيام بالواجب الإلهي بالإصلاح الاجتماعي والأخلاقي ومقاومة الفساد”.
 
أضاف:” إن الخوف من الجوع ومما هو آت هو السلاح الذي يملكه أعداء الله والإنسانية، أهل الطاغوت الذي يتمثل اليوم بالقيم التي يتبناها الغرب ويكرر فراعنة العصر الحاضر ما قام به طواغيت الأمس مع رسول الله  وأهله من بني هاشم وحصارهم في الشعب طامعين في موتهم جوعا، ولقد عانى صلى الله عليه وآله معه أشد المعاناة أدت الى فقدان الدعوة والرسالة الى أهم قاعدتين استندت لهما، حماية أبو طالب لدفع كيد المشركين عن رسول الله والمؤمنين، ومال خديجة في دفع الضائقة الاقتصادية الذي نفذ نتيجة هذا الحصار وظن المشركون انه اسقط  ما بيد رسول الله ، وأن لا سبيل الا الاستسلام لإرادتهم وتركه لدينه ورسالته، ولكن الله نصره بأضعف خلقه، بالقرضة التي أكلت الوثيقة التي أبرمها المشركون وتعاهدوا بها على حصاره ولم يبق منها سوى كلمة الله، وهناك الكثير من الأحداث المشابهة التي شكك بعض المسلمين فيها بالرسالة فتركوا المعركة نتيجة الاشاعة بأن رسول الله قد قتل، يفزعون الى قومهم ليحموا رؤوسهم خوفا من المشركين، ورسول الله يدعوهم في اخراهم كما حصل في أحد، وهو ما يحصل معنا اليوم بمواجهة العدوان الغربي الذي يتدخل ليحمي العدو الإسرائيلي المغتصب لحقنا العربي والإسلامي في فلسطين والجولان وما تبقى من مواقع على الحدود اللبنانية الفلسطينية ومنها مزارع شبعا ويهدد اليوم ويرعد ويزبد ترهيبا واخضاعا ويدعو للإستيلاء على نفطنا وغازنا ومنعنا من الاستفادة منها”.
 
وختم الخطيب:” وللأسف فان البعض يقع تحت هذا الوهم ويشارك العدو في هذا الترهيب والحرب النفسية.أقول للذين يرفعون عقيرتهم جبنا و للذين يزعقون اتهاما للمقاومة بانها تضيع الحق اللبناني، هل حصلتم على الحق في لبنان الا بالمقاومة؟ وهل هو بأيديكم حتى يضيع؟ لقد ضيعتموه حينا من الزمن، والامل في إعادته بعد الله بالمقاومة وأهلها وهم الشعب اللبناني، كل الشعب اللبناني. ولن يسمح الشعب اللبناني بتضييع هذا الحق عبر الالتفاف حول مقاومته كما كان دائما، ولن يوكل امر تحرير نفطه الى البارعين في تضييع الفرص كما اضاعوا فرصة تأليف حكومة احوج ما يكون اللبنانيون لها اليوم”.