وطنية – كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: مع نيل الحكومة ثقة مجلس النواب بـ85 صوتا مقابل 15 نائباً حَجبوها، تنتهي حقبة الفراغ الحكومي التي أرهقت لبنان منذ ما يزيد على السنة، وتتموضَع هذه الحكومة تلقائيّاً تحت مجهر اللبنانيين والمجتمع الدولي في آن معاً. فمرحلة الوعود انتهت، لتبدأ مرحلة العمل في اتجاه الانفراج الموعود. ولا شكّ في ان البيان الوزاري للحكومة واعد، ويبدو نظريّاً انّه بحجم الأزمة ويرسم خريطة الخروج منها، فهل سيحقق هذا الهدف؟
فالحكومة تخرج من الثقة كاملة الصلاحيات والمواصفات، ولكن على أهمية ذلك، لا تستطيع ان تتنفس الصعداء. فلقد بدأ الامتحان الصّعب وهنا المحك، فإمّا تكرّم أو تهان. وعدوّها الاول هو الوقت الذي لا تملكه، فهي مخنوقة بحبل زمني قصير لا يتجاوز بضعة أشهر، لتحقيق إنجاز في جلجلة الملفات والتحدّيات الكبرى المتراكمة في طريقها، وجميعها مرتبطة بكل مفاصل حياة اللبنانيين.
يدرك اللبنانيون انّ الحكومة في وضع لا تُحسد عليه فمهمّتها شديدة الصعوبة وطريقها ليست مفروشة بالورود، بل بمطبّات شائكة حول مختلف العناوين. ويدركون أيضاً أنّ ما بعد الثقة ليس اختباراً للحكومة وحدها، بل هو اختبار لكلّ القوى السياسيّة من دون استثناء، إن كانت قد اتّعظَت من مراحل الاخفاقات السابقة، وبالتالي ترك الحكومة تعمل بحرية مطلقة، او أنها ما زالت ثابتة على ذات المنحى الذي طَوّق الحكومات السابقة بمداخلات سياسية وإرادات تعطيلية حَرفتها عن مسارها وحوّلت بياناتها الوزارية السابقة الى مجرّد بيانات ورقية أقرب ما تكون الى حبر على ورق؟
واذا كانت الحكومة قد ألزمت نفسها بتحقيق إنجازات ملموسة خلال عمرها القصير الذي يمتد على اشهر قليلة، فإنّ مصادر وزارية أكدت لـ”الجمهورية” :”انّ الحكومة تتفهّم استعجال اللبنانيين لرؤية انجازات سريعة تخفّف الضائقة المريرة التي تضغط عليهم، ولديها النيّة الصادقة في ان تعمل وتحقّق خطوات نوعيّة ضمن الفترة القصيرة لولايتها، خصوصاً أنّ ارادة العمل والانجاز هما المرتكز الاساسي لهذه الحكومة”.
وتخالف المصادر القائلين بعدم قدرتها على تحقيق اي اختراق، فقالت: طالما انّ ارادة العمل موجودة، يمكن ان تحقق الحكومة في فترة اسابيع قليلة ما عجزت عن تحقيقه حكومات سابقة خلال سنوات. إنّما الشرط الاساس هو الّا تجد نفسها مقيّدة بمزاجيّات سياسيّة ومداخلات تُفرمِل اندفاعتها، وتعطّلها وتجعلها غير قادرة على الاستمرار. وهذا معناه تعميق الأزمة وزيادة معاناة اللبنانيين، واكثر من ذلك نعدم ثقة المجتمع الدولي بلبنان، التي تضع الحكومة نصب عينيها استعادتها بإجراءات وخطوات إصلاحية سريعة”.
الموقف الدولي
وما تذهب اليه المصادر الوزارية لناحية النأي بالحكومة عن المداخلات السياسية التعطيلية، أكدت عليه مصادر أممّية لـ”الجمهورية”، حيث أعربت عن ارتياحها للمناخ السائد حالياً في لبنان ومنح الحكومة الجديدة الثقة في مجلس النواب، الا انّها في الوقت نفسه لا ترى في ذلك نهاية المطاف، بل هو نقطة البداية للحكومة في الاستفادة من الفرصة المتاحة لها من مختلف المراجع والمستويات الدوليّة وترجمتها في خطوات اصلاحية وإنقاذية عاجلة تضع حداً لحال الشعب اللبناني المأسوية.
وإذ تؤكّد المصادر انّ وجود حكومة في لبنان هو حتماً أفضل بكثير من عدمه، وينهي حقبة طويلة من الفراغ الذي بَدا معه لبنان غير مُمسك بزمام أمور الدولة، تلفت الى ان لبنان يقف اليوم في نقطة الوسط بين ان يستعيد نفسه كدولة تلبّي طموحات شعبها وتستعيد ثقة المجتمع الدولي بها، وهذا بالتأكيد رهن بمقارباتها الإصلاحيّة المنتظرة منها، وبين ان يبقى مقيّداً في دائرة الأسباب ذاتها التي قادته الى أزمته الصعبة وفجّرت غضب اللبنانيين في ثورة تشرين الأول 2019.
ووصفت المصادر الأمميّة البيان الوزاري للحكومة بأنّه يتضمن نقاطاً تلبّي ما سبق للمجتمع الدولي ان حدّده كسبيل لإخراج لبنان من أزمته، وقالت: المطلوب هو التطبيق، وهذا يُلقي المسؤولية على القادة السياسيين في لبنان في ان يكونوا دافعاً لهذا التطبيق، لا أنّ يكونوا في موقع التعطيل والعرقلة، التي شهدناها في المراحل السابقة.
باريس: ترجمة عاجلة
وفي السياق نفسه، قالت مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية انّ باريس تنظر بارتياح الى التزام الحكومة اللبنانية المبادرة الفرنسية. إلّا أنها أكدت في الوقت انها تنتظر أن ترى ترجمة عملية عاجلة لهذا الالتزام. مشيرة الى انّ الحركة الديبلوماسية الفرنسية التي تكثفت في الآونة الاخيرة في اتجاه مختلف المرجعيات السياسية وغير السياسية في لبنان صَبّت في هذا الاتجاه، اضافة الى التأكيد على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، خصوصاً انه الاستحقاق الذي ينظر اليه اللبنانيون كفرصة لإعادة بناء الحياة السياسية في لبنان على أسس سليمة.
واكدت المصادر انّه على رغم انشغال المستويات الفرنسية الرسمية بأزمة الغواصات الفرنسية لأوستراليا التي اشتعلت بين واشنطن وباريس، فإنّ لبنان ما زال يحتل أولوية المتابعة الفرنسية، سواء من الايليزيه او وزارة الخارجية الفرنسية. وبالتالي، فإنّ هناك تعويلاً فرنسياً كبيراً على نجاح الحكومة في تنفيذ برنامج المهمّة المحدّد لها.
على انّ هذا الامر مرتبط نجاحه، كما تقول المصادر الديبلوماسية في باريس، بانتهاج سلوك جديد في الحكم، يقوم أولاً على منح الحكومة فرصة للعمل بحرية وفق ما تقتضيه اولويات معالجة الازمة، من دون إعاقتها بمداخلات سياسيّة تفرّغ الهدف الإصلاحي المنشود من معناه الحقيقي. ويقوم ثانياً على ان تثبت الحكومة نفسها كفريق عمل متجانس، كما اعلن رئيسها نجيب ميقاتي، وليس فريق عمل تُديره المرجعيات السياسيّة وفق أهوائها وحساباتها السياسية والحزبيّة”.
الشياطين النائمة!
والبارز في هذا السياق، ما كشفه مرجع مسؤول لـ”الجمهوريّة” من أنّ تأكيدات قطعت له بأنّ اللبنانيين سيلمسون خطوات حكومية في القريب العاجل، وقد بُنيت هذه التأكيدات على أساس ان رئيس الحكومة في هذا التوجّه.
الا أنّ المرجع، على رغم ممّا يَصفه الاندفاعة الحكومية لتحقيق خطوات علاجية ملموسة، فإنّه يقول “لا يرتاح بالي إلّا اذا رأيتُ تلك الخطوات قد نفّذت وصارت أمراً واقعاً على الارض”. وقال: “صحيح ان المناخ العام يتسِم بإيجابية ملحوظة، لكنّني أفضّل أن أبقي الحذر قائماً اذ لا يكفي حسن النيّة العلنية، خصوصاً اننا اكتوينا في السابق بإعلانات متتالية لحسن النية لم يَتأتَّ منها سوى التعطيل. فأنا، وحتى يثبت العكس، ما زلت أخشى من أن توقِظ الشياطين خلاياها النائمة بتفاصيل الملفات، لجعل الحكومة حلبة صراع سياسي وابتزاز مُحاصصاتي وتسجيل نقاط شعبوية ربطاً بالاستحقاقات المقبلة، وفي مقدمها الانتخابات النيابية.
وكشف المرجع المسؤول انّ المراسلات الغربية والاوروبية، وكذلك ما تؤكد عليه السفارات في لبنان تتقاطَع عن التحذير من تعطيل المسار الحكومي، ومحاصرة الحكومة بمداخلات سياسية على غرار ما كان يحصل في السابق، ومطالبات تعجيزية تناقض وتُحبط المنحى الانقاذي الذي على الحكومة ان تتّبِعه في هذه المرحلة، فتكرار هذه السياسة يشكّل مقتلاً للحكومة وإحباطاً للشعب اللبناني، وإعداماً للفرصة المتاحة، والتي قد تكون الأخيرة، لتجاوز لبنان محنته.
جلسة الثقة
ولعلّ ما مَيّز الجلسة العامة التي عقدها المجلس النيابي في الاونيسكو لمناقشة البيان الوزاري للحكومة وإعطاء الثقة على اساسه، أنّ ازمة المحروقات والمازوت تحديداً أبت إلّا أن تُعبّر عن نفسها في الجلسة في انقطاع الكهرباء عن قصر الاونيسكو لأكثر من نصف ساعة بسبب فقدان مادة المازوت للمولّد الكهربائي في القصر، وذاقَ النواب طعم العتمة التي يعانيها كلّ مواطن لبناني في منزله. وكادت الجلسة ان تتأجّل لولا تأمين المازوت على عجل، فأعاد تشغيل الجلسة في الاتجاه المرسوم لها.
وكانت بدايتها مع تلاوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للبيان الوزاري لحكومة “معاً للانقاذ”:
– إلتزام أحكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، واحترام الشرائع والمواثيق الدولية، والتأكيد على الإلتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
– الدعم المطلق للجيش والقوى الأمنية كافة في ضبط الأمن على الحدود وفي الداخل وحماية اللبنانيين وأرزاقهم وتعزيز سلطة الدولة وحماية المؤسسات.
– التمسك باتفاقية الهدنة والسعي لاستكمال تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء والتمسك بحقه في مياهه وثرواته، وذلك بشتى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للإحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة.
– إستئناف المفاوضات من أجل حماية الحدود البحرية اللبنانية وصونها من جهاتها كافة.
– التأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وعدم توطينهم في لبنان، ومتابعة العمل على عودة النازحين السوريين.
– تعزيز علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة والإصرار على التمسك بها والمحافظة عليها.
– تعزيز علاقات لبنان الدولية وتفعيل انخراطه مع المجتمع الدولي وشريكه الأوروبي بما يخدم المصالح العليا للبنان.
– تأكيد التزام الحكومة إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها وإجراء الانتخابات البلدية والإختيارية.
– إستئناف التفاوض الفوري مع صندوق النقد الدولي، وإيجاد خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم، والسعي إلى إقرار قانون حول الكابيتال كونترول، ووضع مشروع قانون من شأنه معالجة الأوضاع المالية والمصرفية التي استُجدّت بعد 17 تشرين الأول 2019 لا سيما تلك المتعلقة بتحويل الأموال إلى الخارج، ومتابعة تنفيذ القانون رقم 214 تاريخ 8/4/2021 (إستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد)، ومعاودة المفاوضات مع الدائنين للاتفاق على آلية لإعادة هيكلة الدين العام بما يخدم مصلحة لبنان.
– تثمين المبادرة الفرنسية والالتزام ببنودها كافة بكل شفافية وبتوصيات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار.
– العزم على تصحيح الرواتب والأجور في القطاع العام، والعمل على إقفال المعابر غير الشرعية، والحد من التهرب الضريبي، والعمل على إنجاز الموازنة العامة للعام 2022 مع التشديد على تضمينها بنودا إصلاحية تتناول المالية العامة.
– توجيه سياسة الدعم الحالي وحصره بمستحقّيه من المواطنين اللبنانيين المقيمين، والإنطلاق نحو سياسة إجتماعية قادرة على سد الثغرات الإجتماعية.
– إستكمال تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى وإنجاز التشكيلات والمناقلات القضائية والسعي لإقرار قانون إستقلالية السلطة القضائية.
– إصدار النصوص التطبيقية للقوانين النافذة ومتابعة تنفيذ النصوص ذات الصلة لا سيما تلك المتعلقة بقانون الشراء العام فور نفاذه، إضافة إلى إكمال تعيين اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد وتفعيل عمل الهيئات الرقابية وتمكينها من ممارسة دورها واستكمال الإجراءات الواجبة لتوقيع العقد المتعلق بالتدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان والمباشرة بالإجراءات اللازمة للتدقيق المالي في الوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة واتخاذ التدابير اللازمة بهذا الصدد.
– زيادة ساعات التغذية في مرحلة أولى وتأمين الكهرباء للمواطنين في أسرع وقت.
– إطلاق دورة التراخيص الثانية في المياه البحرية اللبنانية المؤجلة مرحلياً بفِعل جائحة كورونا والعمل على متابعة عمليات الإستكشاف في المياه البحرية اللبنانية.
– حرص الحكومة على استكمال التحقيقات في كارثة انفجار مرفأ بيروت لتحديد أسباب هذه الكارثة وكشف الحقيقة كاملة ومعاقبة جميع المرتكبين. كما تعتزم العمل مع مجلس النواب لإجراء كل ما يلزم بشأن الحصانات والإمتيازات وصولا إلى تذليل كل العقبات التي تحول دون إحقاق الحق وإرساء العدالة.
مداخلات
بعد ذلك توالت مداخلات النواب، وكانت أكثريتها مانحة للثقة في مقابل أقلية حاجبة لها، وبرزت خلالها مشادّة بين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ونائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي حول ما قاله باسيل عن تحويلات مالية، من قبل نواب ووزراء الى الخارج. حيث قال له الفرزلي: سَمِّهم. لن نقبل بذلك، هذا التعميم غير مقبول. واكد على وجوب التسمية النائب فريد هيكل الخازن، وهو الامر الذي أثار حفيظة نواب تكتل لبنان القوي الذين انتصروا لرئيسهم. وتوجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى النائب باسيل، قائلاً: أعطني ورقة بأسماء النواب الذين تذكرهم، إستهداف المجلس بهذا الشكل غير صحيح.
وفي ردٍ على النائب جورج عدوان حول قرار الحرب والسلم، قال بري: القرار 1701 انا لا انكر انه أُنجِز في عين التينة، أنجزتُ مسودته انا والمندوب الاميركي دايفيد والش، وهو لا يقول ما تقوله إنما ينص على ان تنسّق قوات الامم المتحدة مع الجيش اللبناني في كافة المواضيع. كانت هناك محاولة للامر الذي تقوله وقد رفضناه بالمطلق. نعم رُفض من قبل لبنان، فكل الاجتماعات العربية ولوزراء الخارجية وللقمة العربية جميعها كانت تؤيّد المقاومة، ولا مرة المقاومة كانت من دون الجيش والشعب ومن دون الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، صَدّقني !
“أمل”… إنها الفرصة
الى ذلك، توقف المكتب السياسي لحركة “أمل” أمام عملية نيل الحكومة الثقة في المجلس النيابي، معتبرا أنها “فرصة وطنية انتظرها اللبنانيون طويلا، يجب أن تؤمّن لها كل عوامل النجاح من أجل إطلاق ورشة انقاذ وطني طالت معاناة اللبنانيين كثيرا تحت وطأتها”، داعياً “الحكومة لأن تعمل كفريق واحد متضامن يرسم سياسات إصلاح واقعية تنعكس ايجابا على اللبنانيين، خصوصا بالعناوين المطلبية الاجتماعية في قطاعات التربية والصحة والمحروقات وضرب المحتكرين خاصة في السلع الاساسية، وردع المضاربين على الليرة اللبنانية، ما يرفع منسوب ثقة المواطنين بدولتهم ومؤسساتها ليكتمل قوس الثقة البرلماني والشعبي.